الرياضة في حياة الرسول صلوات ربي وسلامه عليه --
للرياضة في الإسلام شأن عظيم , فالإسلام يحث عليها بسائر أنواعها الأصيلة : من سباق , ورماية , وسباحة , كيف لا , وهي تقوي الجسم , وتفتل العضلات , فتخرج لنا مؤمناً شجاعاً , والمؤمن القوي خير , وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف, وفي صحيح مسلم عن عقبة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ألا إن القوة الرمي، وكررها ثلاث مرات »، وهكذا فسر لنا الرسول المقصود بالقوة سواء في حديثه (المؤمن القوي) أو في الآية الكريمة )وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة .. ولن يرفع الله غائلة الأعداء , ويحفظ الدين , والكرامة , والحقوق , إلا بالعزائم الماضية , والنفوس الأبية , والسواعد القوية , ولذلك أمر الإسلام بالرياضة , ومن قرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم , عرف ذلك حق المعرفة , فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنواع من الرياضات , منها :
• السباق: وقصة سباقه صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها مشهورة , فهاهي تحكيها لأمته ليتعلموا منها الدروس في النشاط , وحسن العشرة , فعن عائشة رضي الله عنها قالت : "سابقني النبي صلى الله عليه وسلم فسبقته , فلبثنا حتى إذا أرهقني اللحم , سابقني فسبقني", فقال : "هذه بتلك". , وفي رواية أخرى أنهم كانوا في سفر , فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه:"تقدموا ", ثم قالت عائشة : "سابقني" , فسابقها , فسبقته , ثم سافرت معه أخرى , فقال لأصحابه : "تقدموا" , ثم قال : "سابقيني" فسابقها , فسبقها , فقال : "هذه بتلك".
ولقد بعد عمل الناس عن هذا الهدي كثيراً , فلو سابق أحد منا زوجته في هذا الزمان , لكان أمراً مستغرباً مدهشاً , فكيف لو أمر من معه للتقدم عنه , حتى يسابق الزوجة ؟!! بل كيف حاله لو حصلت هذه المسابقة فسبقته ؟!!
وكان صلى الله عليه وسلم يعقد مسابقات بين الصحابة . ففي صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : "بينما نحن نسير , كان رجل من الأنصار , لا يسبق شدا , فجعل يقول : ألا من مسابق إلى المدينة ؟ هل من مسابق ؟ فجعل يعيد ذلك , قال : فلما سمعت كلامه , قلت : أما تكرم كريماً , ولا تهاب شريفاً ؟ قال : لا إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال : قلت : يا رسول الله , بأبي أنت , وأمي , ذرني فلأسابق الرجل , قال : "إن شئت" , فسبقته إلى المدينة.
• ومن الرياضات التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم : المصارعة.
وما كان صلى الله عليه وسلم , يعقد المصارعة ليبرز نفسه , أو ليبيِّن قوته , ولكنَّه اضطر إلى هذا الأسلوب , ليكون مفتاحاً إلى الهداية . فقد جاءه ركانة أحد المشركين المتعنتين , وكان أشد الناس , وكان ذلك بمكة , أمام الملأ من الناس , فقال : يا محمد إن صرعتني آمنت بك , فتصارع مع النبي صلى الله عليه وسلم , فصرعه نبينا صلى الله عليه وسلم , فأعلن إسلامه لما رأى قوة النبي صلى الله عليه وسلم , وبأسه , وشجاعته.
والمصارعة المرغب فيها ليست كالمصارعات تنقلها وسائل الإعلام , والتي تخلو من الرحمة والأخلاق , وتمتلىء بصور العنف , والبطش , والطيش , والانتقام , وإنما هي مصارعة تدفع إلى روح المنافسة , وتربي الثقة بالنفس , وتظهر البنية القوية , مع اصطحاب الرحمة , وسماحة النفس.
• ومن الرياضات التي ثبتت عنه صلى الله عليه وسلم , أنه عقد مسابقة بين الإبل , ففي صحيح البخاري تعليقا , عن أنس بن مالك رضي الله عنه , قال: كانت العضباء (ناقة الرسول) لا تسبق فجاء أعرابي على قَعُودٍ له , فسابقها , فسبقها الأعرابي , وكان ذلك شقَّ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال : "حق على الله , ألاَّ يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه".
فهو صلى الله عليه وسلم يواسيهم بهذا الكلام , ويبين لهم أن الرياضة أخلاق , ومحبة , قبل أن يكون فيها غالب , ومغلوب , ويعلمهم أيضاً : أن المتسابق كما ذاق حلاوة الفوز , فإنه سيذوق مرارة الخسارة , والأيام دول , فليتقبل الحالين , وهذا ما يسمى حاليا بالروح الرياضية.
• ومن الرياضات التي شجعها صلى الله عليه وسلم سباق الخيل : فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم : أنه سابق بين الخيل , ففي الصحيحين من حديث عمر رضي الله عنه قال : "سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل , فأُرسلت التي ضُمِّرت منها , وأمَدَّها (أي : جعل مداها) , الحَفْيَاء (مكان في المدينة) إلى ثنية الوداع ، والتي لم تُضَمَّر أمدها ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق".
بين الحفياء إلى ثنية الوداع ستة أميال أو سبعة , ومن ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق ميل .
• ومن الرياضات التي حث عليها الرماية : فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم : أنه شجع الرماية , وحث عليها , ففي صحيح البخاري عن سلمة بن الأكوع قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم , على نفر من أسلم ينتظلون ( يرمون ) بالسوق ، فقال : " ارموا بني إسماعيل , فإن أباكم كان رامياً ، ارموا , وأنا مع بني فلان ". قال : فامسك أحد الفريقين بأيديهم , فقال صلى الله عليه وسلم : " مالكم لا ترمون ؟" قالوا :" كيف نرمي , وأنت معهم؟ , فقال : ارموا , وأنا معكم كلّكم , وقال صلى الله عليه وسلم : ألا إنَّ القوةَ الرمي .
ولقد قصر أبناء هذا الجيل , في الأخذ بوصية النبي صلى الله عليه وسلم أيما تقصير , فلا يستطيع أحدهم أن يمسك السلاح , فضلاً عن أن يرمي به , وهذا ما جرَّأ علينا الأعداء , وقلَّل مهابتنا في قلوبهم , وألبسنا ثوب الذلَّة , والمهانة , و الله لا يغير ما بقوم , حتى يغيروا ما بأنفسهم.
وكان يعجبه صلى الله عليه وسلم من أتباعه ؛ الشديد القوي , الذي لا يصرع , ولا يغلب , ولا يأذن في الجهاد , إلا لمن عرف بطولته , ورأى فيه صحة وقوة. أذن مرة لأحد الفتيان بالقتال , والاشتراك مع جيش المسلمين , فقال صاحبه الآخر : وأنا يا رسول الله ؟ فرآه صغيراً , ولم يُجِزْه (يقبله) , فقال الفتى الصغير : أنا أصرع فلاناً الذي أذنت له , فأمره أن يصارعه , فصرعه كما قال ، فعند ذلك أجازه بالاشتراك في القتال . ورخص صلى الله عليه وسلم بلعب الأحباش بالحراب (الرماح) في مسجده صلى الله عليه وسلم , فالرماح من عدة الجهاد الذي تحمى به الأوطان , وتحفظ به الأعراض , والأديان . فعن أبي هريرة رضي الله عنه , قال : "بينما الحبشة يلعبون عند النبي صلى الله عليه وسلم بحرابهم , دخل عمر فأهوى إلى الحصباء , فحصبهم بها , فقال رسول الله : دعهم يا عمر." رواه البخاري , ومسلم .
فمنع النبي صلى الله عليه وسلم الفاروق من الإنكار عليهم , لأن فعلهم هذا , من العبادة المأذون بها في المسجد .
بهذه الامثلة الكثيرة , من حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم , نعلم أيها الأخوة : أن الإسلام أمر بالرياضة , وحث عليها , فلماذا إذاً نستمع إلى طعون الأعداء , والمرجفين , من المنافقين ؛ الذين يقولون : إن الإسلام دين يكبت الحريات , ويقتل الشهوات , ويحبس الطاقات , ويظنون بهذا الدين , الظنون الفاسدة , والعياذ بالله .
فحق لنا بهذه الصور المشرقة , أن نذرَّ الرماد في وجوههم , وأن نقولَ لهم : كذبتم لعمرُ الله , (كبرت كلمةً تخرج من أفواههم , إن يقولون إلا كذبا) , بل إن الإسلام دين يعتني بالرياضة , ويجعل التمسك بها , محض الرجولة , ومنبع الفضيلة , وميزان الاعتدال . وفي الإسلام تحصيل الخير كله ، وما من شرف إلا تجده فيه , وما من فضيلة , إلا هو أصلها , فليس فيه رهبانية , وانعزال , وانغلاق , وليس فيه انفلات للغزائر , وإطلاق ؛ بل الاعتدال كله , وسعادة الدنيا والآخرة.
دمتم في حفظه ...
موضوع: الرياضه في حياه النبى 
الأحد يوليو 04, 2010 7:31 am
